مأساة سيول: الجزء الأول- الحادث
لأكون صريحاً تماماً، لم أرغب في كتابة هذا الملخص. لا أرغب في إعادة عيش هذه المأساة الفظيعة، أرى فيها ما رأيته مرة آخرى، وأسمع ما سمعته من قبل. كتابة هذا التقرير كانت مزعجة ومحزنة كثيراً، اضررت في كثير من الأحيان للتوقف خلالها وأخذ نفس عميق أو الصراخ بغضب أو حتى القبض على أسناني بشدة قبل تمكني من الاستمرار في الكتابة.
لكن لا يبدو أنه بالإمكان كتابة مشاركة أخرى حول كوريا من غير التطرق لهذا الحادث المريع. أكثر من 300 حياة، كانت أغلبها لطلاب صغار، هلكوا في حادث كان بالإمكان منعه كلياً. هذه القصة يجب أن تقص، ليس كما تعرض في الأخبار عن طريق التلفاز ككارثة بشعة ويستفاد منها للدعم المالي.
وهنا تبدأ القصة: ملخص لغالبية المعلومات المتعلقة بالعبّارة الغارقة التي تحمل الاسم "سيول". سيكون هذا الملخص على ثلاثة أجزاء: 1) وصف للحادث ومحاولات الإنقاذ، 2) الأسباب والعوامل التي ساهمت في الحادث و 3) ردة الفعل السياسية والاجتماعية من كوريا.
الحادث
من ومالذي كان متورطاً في الحادث؟
سيول كانت عِبارة عن عبّارة/ سفينة سياحية تتنقل بين إنشون- مدينة ساحلية بالقرب من سيؤول- ومحافظة جيجو- منتجع جزيرة استوائية. كانت تحمل السفينة 476 راكباً، بالإضافة إلى عدة شاحنات وحاويات بضائع. كان أغلب الركاب- 325 راكب بالتحديد- طلاباً من المرحلة الثانية من ثانوية دان-ون في أنسان- ضاحية من ضواحي سيؤول.
|
|
داخل السفينة سيول. الصورة مُلتقطة في اليوم السابق للحادث.
(المصدر) |
المدارس الثانوية في كوريا تتكون من ثلاث مراحل، وعليه، فإن المرحلة الثانية تعادل الطلاب المبتدئين في مدارس الثانوية الأمريكية- بين 16 و17 عام. تذهب عادةً المدارس الثانوية الكورية في رحلة مدرسية طويلة كل عام، وتشمل جميع الطلاب من نفس المرحلة. وبما أن أنسان تعتبر منطقة عاملة، كان الطلاب من عوائل تعمل أعمالاً حرفية من صيانة وبناء وغيرها من الأعمال البدنية.
كيف بدأت السفينة بالغرق؟
يأخذ السفر بالعبَارة من إنشون إلى جيجو قرابة 13.5 ساعة. سافرت السفينة أثناء الليل حتى صباح اليوم التالي، ودخلت الشاطئ الغربي لجزيرة جندو، بالقرب من الطرف الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة الكورية.
في الساعة 8:49 صباحاً من 16 أبريل 2014، قامت السفينة بإنعطاف حاد، غيرت فيه اتجاهها لأكثر من 10 درجات خلال ثانية واحدة- كما ورد في الصندوق الأسود للسفينة. بعدها فقدت السفينة التوازن وبدأت بالإنحراف مباشرة بسبب الإنعطاف الحاد. هناك أسباب تدفع للاعتقاد بأن بناء السفينة لم يكن متوازناً وأن الحمولة لم تكن مثبتة بشكل صحيح. ومن الواضح أن الحمولة قد تحولت لجانب واحد مسببة إخلال التوازن وغرق السفينة. المزيد حول هذا في الجزء القادم.
متى علمت السلطات بالحادث؟
في الساعة 8:52 صباحاً، كان أول خبر ورد من سيول- لم يكن من طاقم السفينة، بل كان من طالب على متنها اتصل ب 119 (ما يعادل 911 في أمريكا). وبعد بضع دقائق، تم تحويل الطالب لخفر السواحل. (كان اسم الطالب تشوي دوك-ها [최덕하]، وقد وُجد ميتاً). واستجابةً لذلك، في الساعة 8:58 صباحاً، أرسلت محطة خفر السواحل في ميناء قريب من مدينة موكبو فريق الإنقاذ الأول.
وفي الساعة 8:55 صباحاً، كابتن سيول لي جون-سوك [이준석] تواصل مع محطة خدمة نقل السفن في جزيرة جيجو قائلاً أن السفينة فقدت التوازن وبدأت بالغرق. (ملاحظة: بالرغم من أن أقرب محطة خدمة نقل للسفن كانت في جزيرة جندو وليس جيجو. تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع تأتي لاحقاً.) في الساعة 9:10 صباحاً، شكلت قيادة خفر السواحل إنقاذاً مركزياً. وفي الساعة 9:31 صباحاً، تم إعلام الرئيسة بارك كون-هي.
كيف تعامل طاقم السفينة مع الحادث؟ وكيف تعامل الركاب؟
تعامل طاقم السفينة وبالأخص القبطان بشكل مفجع ومؤلم جداً مع الحادث وينمو عن عدم كفاءة. ولعله من الإنصاف القول إن عدم كفاءة القبطان وكبار أفراد الطاقم تحملهم غالبية اللوم في السماح لهذا الحادث بالتصاعد من حادث مُكلف إلى حادث مروّع وكارثة واسعة النطاق.
بمجرد تمكن محطة خدمة نقل السفن في جندو من التواصل مع السفينة سيول، قامت المحطة بسؤال القبطان مراراً ما إذا كان المسافرون يستطيعوا الفرار. وفي رد يكاد يكون من المؤكد أنه كذبة، أجاب القبطان أنهم لا يستطيعوا ذلك. في الساعة 9:25 صباحاً، حوالي 30 دقيقة بعد بدء غرق السفينة، أمرت محطة خدمة نقل السفن في جندو القبطان بعبارات لا لبس فيها: أأمر المسافرين بوضع سترات النجاة وأخلوا السفينة. لسبب غير مفهوم، لم يفعل القبطان شيئاً وقال لمحطة نقل السفن في جندو أن نظام مخاطبة المسافرين – نظام بي إيه- في السفينة لا يعمل. هذه كانت كذبة، لأن نظام المخاطبة كان يعمل بالكامل في ذلك الوقت. أخبرت محطة جندو الكاتبن مرة أخرى بفعل ما يستطيع لإخلاء السفينة. ولم يفعل القبطان شيئاً كالسابق. وفي الساعة 9:33 صباحاً، أمرت محطة جندو القبطان بإطلاق جميع عوامات الطوارئ من السفينة. ولم يفعل القبطان شيئاً غير إخبار المحطة بإرسال قوارب الإنقاذ في أسرع وقت ممكن.
وفي الوقت ذاته، كان أفراد الطاقم المبتدئون يحرسون نظام المخاطبة في السطح السفلي من السفينة، وقد قاموا بسؤال الجسر باستمرار إن كان يجب إخلاء السفينة. الجسر، المكان الذي فيه القبطان، لم يستجب. ومن غير معلومات، اتبغ الطاقم كتيب التعليمات وأخبروا المسافرين مراراً وتكراراً بالبقاء في غرفهم.
|
|
بارك جي-يونغ- واحدة من أبطال سيول
(المصدر) |
عندما وصل أول فريق إنقاذ في الساعة 9:30 صباحاً، قام كل من بارك جي-يونغ- 22 عام [박지영]، جونغ هيون-سون [정현선]- 28 عام ويانغ دي-هونغ [양대홍]- 45 عام- جميعهم من طاقم السفينة- بتوجيه جميع المسافرين الذين التقوا بهم لخارج السفينة. مع إدراك أنه لا يوجد إعلان للمسافرين، أسرعت بارك لنظام مخاطبة المسافرين وأمرت الركاب بالقفز إلى الماء وكان ذلك في الساعة 10:15 صباحاً. للأسف، كان ذلك بعد فوات الأوان، لأن جانب الميناء(الجانب الأيسر) للسفينة كان تحت الماء بالكامل منذ الساعة 9:54 صباحاً. عندما غُمرت السفينة بالماء، حُدد مصير الركاب في ذلك الجانب.
وقد تم العثور على بارك وجونغ ميتين لاحقاً، أما يانغ فهو مفقود. يذكر الطلاب الناجون أن بارك أنقذت الكثير من الطلاب بوضع ستر النجاة عليهم ودفعهم للطابق العلوي. وعندما سأل الطلاب ما إذا كانت بارك ستغادر، أجابت: "يجب على الطاقم البقاء حتى النهاية." قبل العودة للإنقاذ، اتصل يانغ بزوجته، وقال: "السفينة انحرفت كثيراً وبدأت تغرق. استخدمي المال الذي في حساب البنك لتدريس الأطفال. يجب أن أعود لإنقاذ الطلاب."
وفقاً للناجين، قدم العديد من الطلاب حياتهم في محاولة إنقاذ بعضهم البعض، أو لإنقاذ الأطفال. وقد ألبس طفل ذو ست سنوات سترة نجاة على أخته البالغة خمس سنوات قائلاً لها أنه سيذهب ليبحث عن والديه. تم إنقاذ الطفلة، وبقي الطفل ووالديه مفقودين. جونغ شا-ونغ [정차웅]، حاصل على الحزام الأسود في رياضة الكندو (فنون الدفاع عن النفس بالسيف) وهو أول ضحية أُكدت من السفينة سيول، مات بعد أن تخلى عن سترة النجاة الخاصة به لصديق وقد حاول إنقاذ طلاب كُثر. ووفقاً للطلاب الناجين أيضاً، اثنان من مدرسين ثانوية دان-ون وهما نام يون-تشول- 39 عام و تشوي هي-جونغ- 24 عام قد أنقذ كلٌّ منهما على الأقل عشرة طلاب قبل الاستسلام لارتفاع منسوب الماء.
(تفاصيل أكثر بعد القفز)
لديك سؤال أو تعليق للكوري؟ ارسله إلى askakorean@gmail.com - باللغة الإنجليزية
مهلاً، عد للوراء. ماذا بحق الجحيم كان القبطان وكبار الطاقم يفعلون أثناء كل ذلك الوقت؟ لماذا كانوا يكذبون على محطة حركة السفن؟
في الوقت الراهن، لا يمكننا أن نكون متيقنين. إلا أن معلومة صغيرة تكشف أنه بين 9 و9:37 صباحاً، تحدث القبطان وأفراد الطاقم على الهاتف مع مقر شركة العبّارة ست مرات. وتركز تحقيقات الشرطة بشكل كبير على ما قيل في هذه الاتصالات.
ما مدى فاعلية استجابة الإنقاذ الأولى؟
قام المستجيبون في أول عملية إنقاذ المكونة من زورقين وطائرتي هليكوبتر ببذل قصارى جهدهم في ظل تلك الظروف. تم إرسال أول فريق إنقاذ من محطة خفر السواحل في موكبو، وقد وصل إلى الموقع في الساعة 9:30 صباحاً وبدأ بإنزال الناس من السفينة، في قرابة الساعة 9:35 صباحاً، محطة نقل السفن في جندو أمرت السفن القريبة بالانضمام إلى جهود الإنقاذ المبتدئة في الساعة 9:30 صباحاً.
بعدها وقعت اللحظة الفاضحة، كان القبطان لي جون-سوك من أول الفارين. والأهم من ذلك، أن القبطان ترك السفينة دون أن يعلن للمسافرين وأفراد الطاقم الأخرين بالتخلي عن السفينة أو نشر قوارب النجاة. في حالة مقرفة وظالمة، وصل القبطان والطاقم إلى ميناء جندو في الساعة 10:30 صباحاً، وذلك بعد دقائق فقط من غرق السفينة.
فيديو للطاقم يفرون قبل الركاب
على الرغم من أن أول فريق إنقاذ وصل بأسرع ما يمكن، كان الأوان قد فات. لم يكن لدى أول المستجيبين المعدات الكافية لإنقاذ الركاب المحتجزين داخل السفينة. أستجابت البحرية الكورية، إلا أن سفينتها لم تصل حتى 10:21 صباحاً- عندما كان معظم السفينة سيول تحت الماء. وسفينة مع غواصي إنقاذ لم يصلوا حتى 11:24 صباحاً، وذلك أربع دقائق بعد غرق السفينة بالكامل.
في الساعة 10:06 صباحاً، رأى خفر السواحل ركاب يصرخون داخل مقصورة في السفينة. وقام خفر السواحل بكسر النافذة وإنقاذ سبعة ركاب من داخل المقصورة. هؤلاء السبعة كانوا الوحيدين الذين تم إنقاذهم من داخل السفينة. العديد من الطلاب الذين حوصروا داخل السفينة لم يستطيعوا الفرار، حتى أنهم كانوا يشاهدون زوارق الإنقاذ في الخارج. وقد نال طلاب ثانوية دان-ون أسوأ نهاية، لأن معظمهم كان في الطوابق السفلية من السفينة حيث كانت الأجرة أرخص.
كم عدد الذين نجوا؟
في النهاية، نجا 174 من أصل 476 راكباً. نجا 75 طالباً فقط من 325 طالب من ثانوية دان-ون. بالرغم من أنه كان يوجد بصيص أمل في أن غواصي الإنقاذ قد يتمكنوا من إنقاذ بعض أولائك المحتجزين داخل السفينة، إلا أن عدد الناجين لم يرتفع بعد اليوم الأول من الحادث.
الجزء الثاني سيناقش الأسباب والعوامل التي ساهمت في الحادث. إذا كان لديك سؤال مهم بخصوص هذه المأساة ويحتاج لإجابة، يرجى إرساله على البريد الإلكتروني وسوف أنظر في إضافته سواءً لهذا الجزء أو في أجزاء لاحقة.
لديك سؤال أو تعليق للكوري؟ ارسله إلى askakorean@gmail.com - باللغة الإنجليزية
-
أشكر المدون الكوري تي.كيه لسماحه لي بترجمة هذه السلسلة للعربية.

شكراً على المجهود وفي انتظار الأجزاء الباقية ^^
ReplyDeleteماساة سيول: الجزء الثاني- الأسباب
Deletehttp://bit.ly/1jN2zRe
وشكراً ~~
يعـطيك ألف عافية
ReplyDeleteوبنتظار بقية الاجزاء
ماساة سيول: الجزء الثاني- أسباب الحادث
Deletehttp://bit.ly/1jN2zRe
وشكراً ~~