Friday, 6 June 2014

مأساة سيول: الجزء الثالث- التداعيات

مأساة سيول: الجزء الثالث- التداعيات
سيول المنقلبة

لا يمكن للمرء في هذا العصر الابتعاد عن الأحداث، فإن الإنترنت والتغطية الإخبارية على مدار 24 ساعة لا يسمحان بذلك. لقد تكشفت كارثة سيول في الوقت الحقيقي أمام شعب مذعور. عندما يموت أكثر من 300 شخص- غالبيتهم العظمى من الأطفال-  عبثاً في حادث يمكن منعه تماماً، لا يمكن إلا أن يؤثر ذلك على الشعب. وقد حدث رد فعل مماثل في الولايات المتحدة، بعد إطلاق النار الجماعي في نيوتاون بولاية كونيكتيكت والتي قُتل فيها عشرات الأطفال على يد شخص مختل.

لكن وكما كان مروعاً حدوث ذلك، فقد انتهى إطلاق النار في نيوتاون خلال ساعة. ولم يحدث كذلك مع سيول الغارقة. لقد استمرت السفينة في الغرق لمدة ساعة. وقد تجلت جهود الإنقاذ لأيام على شاشة التلفزيون الحية. وتم تضخيم كل جزء من عدم الكفاءة من قبل كل ركن من أركان المجتمع الكوري وتم المبالغة فيه. وقد قاد ذلك الكوريين لكراهية الذات والتشاؤم وأخيراً للغضب تجاه النظام السياسي.

ماذا تفعل عندما ينهار كل شيء؟
هناك مثل يقول "النجاح لديه مليون أب، أما الفشل فهو يتيم." لكن في كارثة سيول، فإن الفشل لديه مليون أب: القبطان الذي تخلى عن السفينة، شركة العبّارة التي اتخمت السفينة بالبضائع بشكل خطير والحكومة التي سمحت برفع القيود من غير ضوابط.

*               *               *

أولاً، وسائل الإعلام. من منظور بحث على التأثير العقلي، ربما كان الخطأ الأكثر تدميراً هو تقارير وسائل الإعلام المبكرة بأنه تم إنقاذ جميع من كان على متن السفينة سيول. وسبب هذا الخطأ يخضع تحت التحقيق، لكن يبدو من الواضح أن وسائل الإعلام قامت بذكر شائعات غير مؤكدة في سباق نشر الأخبار أولاً.

وهذا الإخفاق الكبير أثر في طريقة استقبال الكوريين للأخبار. عندما علم الكوريون أولاً بخبر غرق السفينة سيول في صباح 16 أبريل- في قرابة 11 صباحاً- 30 دقيقة بعد إنقلاب السفينة بالكامل- أخذوه على أنه حدث مرعب لم يترتب عليه ضرر حقيقي. جعل الرضا الذي سببته الأخبار المشجعة المستوى الكامل من الرعب الحقيقي أكثر تدميراً. وبدلاً من عدم سقوط ضحايا، كان هناك أكثر من 300 معظمهم طلاب مدرسة ثانوية في عداد المفقودين.

لديك سؤال أو تعليق للكوري؟ ارسله إلى askakorean@gmail.com باللغة الإنجليزية

في الساعات التالية لغرق السفينة، كان المشهد الإعلامي في كوريا أسوء ما يكون في نشر بشاعة الكارثة والاستفادة منها مادياً. ولأن عصر الإنترنت جاء إلى كوريا في وقت مبكر تقريباً قبل أي دولة أخرى في العالم، فإن القضايا التي أنشأها عصر الإنترنت أثرت على كوريا لفترة أطول وبشكل أكثر خطورة. وقد أبتلى كل جزء من وسائل الإعلام بأسوء غرائر التسويق والإثارة، من صحف التابلويدز الصغيرة لصحف أكثر احتراماً.

تسللت صحيفة نسوزيس- صحيفة على الإنترنت- لثانوية دان-ون والتقطت صورة قد أعدتها لطالب ميت بوضع دفتر مفتوح على المكتب. وأصدرت تشوسون إلبو- الصحيفة المحافظة -التي تفخر بقدرتها على توجيه الرأي العام في كوريا لأي قضية معينة - مقالاً يناقش أي من شركات التأمين أمنت السفينة سيول، وما هي التعويضات المتوقعة أن تكون في حين أن السفينة كانت لا تزال تغرق. وقد ضايقت محطات التلفزيون المحترمة مثل SBS وJTBC الناجين حديثاً لإعداد مقابلات. وحاول مراسل من SBS عمل مقابلة مع طفلة تبلغ ست سنوات من العمر، لقى بقيت عائلتها حتفهم في السفينة. وسأل مراسل جي بي تي سي على البث التلفزيوني الحي طالباً ناجياً من دان-ون إذا كان يعلم أن أصحابه قد توفوا، مما تسبب في انهيار الطالب باكياً.

ثانياً، الحكومة. تشابه كثيراً وسائل الإعلام، قامت الحكومة بتعذيب عوائل أولئك الذين كانوا على متن السفينة سيول وكذك عامة الكوريين بوعد كاذب: إمكانية وجود ناجين في السفينة المنقلبة بفضل ما يُزعم بـ "الجيوب الهوائية". وأدركنا بعد فوات الأوان، أن هذا الوعد كان على الأرجح وهمياً. ومع ذلك، إذا كان هؤلاء المسؤولين عن الإنقاذ في الحكومة الكورية يعتقدون حقاً بإمكانية وجود الجيوب الهوائية، لماذا تحركوا ببطء شديد للاستفادة من هذه الفرصة. 

لم يكن خفر السواحل الكوري يملك المصادر الكافية لإنقاذ الركاب من السفينة المنقلبة، لكن كان ذلك لدى سلطات آخرى مسؤولة عن الاستجابة للكوارث. أطلق راكب على السفينة سيول أول نداء استغاثة لخفر السواحل في الساعة 8:53 صباحاً. لكن لم يقم خفر السواحل بإعلام وزارة الأمن العام والإدارة- والتي كانت تملك سفن إنقاذاً أكثر تطوراً وطائرات هليكوبتر- حتى 9:30 صباحاً. في الواقع، علمت الوزارة أولاً عن الحادث من أخبار التلفزيون بدلاً من أتباعها. ولم يتم إخطار البيت الأزرق حتى 9:31 صباحاً. وبحلول ذلك الوقت، كانت السفينة تبعد ثلاث دقائق عن النقطة التي لا يمكن الفرار منها.

إضافةً إلى ذلك، لم يشر التقرير الأولي للحكومة إلى أن كارثة ضخمة قد حدثت، قال ببساطة أن سيول كانت تغرق وأن عملية الإنقاذ جارية. وبشكل لا يصدق، حتى بعد الساعة 5 مساءً—بعد نصف يوم من غرق السفينة- بدى أن الرئيسة بارك قون-هي لم يكن لديها فكرة واضحة عما حدث بالضبط. فخلال زيارتها لمركز الإنقاذ، سألت الرئيسة لماذا لم يتمكنوا من إنقاذ الطلاب إذا كانوا يرتدون ستر النجاة، مما يدل على أن في فهمها أن ركاب سيول كانوا عائمون في البحر بدلاً عن كونهم محاصرين داخل السفينة. 

الرئيسة بارك قون-هي في مركز الإنقاذ. 

لم تكن الرئيسة وحدها في عدم فهم ما حدث بالضبط. حتى 4:30 مساءً- أيضاً بعد نصف يوم من غرق السفينة- لم يستطع مركز الإنقاذ معرفة حتى عدد الركاب على متن سيول وكم عدد الذين تم إنقاذهم. في الساعة 2 مساءً، أعلن مركز الإنقاذ أنه تم إنقاذ 368 من الركاب، إلا أنه تم خفض العدد إلى النصف- 164 ناجي- في الساعة 4:30 مساءً (والحصيلة الأخيرة لعدد الركاب الناجين هي 174 راكباً). وعنما تم انتقاد البيت الأزرق لعدم وجود معلومات كافية حول الكارثة، قدم مسؤول كبير في البيت الأزرق رداً أصم بأن البيت الأزرق لم يكن "برج مراقبة" للكوارث. وبينما ذلك صحيح من الناحية الفنية، لكن هذا النوع من الردود لا يمكن إلا أن يعطي إنطباعاً أن الحكومة كانت تتخلى عن واجبها في الحفاظ على أمن الناس وسلامتهم.

ظهرت مزاعم الكسب الغير مشروع والفساد حتى مع جريان عملية الإنقاذ. كان هناك مزاعم من أن خفر السواحل قام بمنع غواصي البحرية من الدخول إلى المياه، حتى يقوم المقاول الخاص لخفر السواحل (يدعى أوداين مارين إندستري) بإرسال غواصيه أولاً. وأدى ذلك إلى الشك بأن خفر السواحل قام بتأخير عملية الإنقاذ من أجل مصالح الشركة المتعاقد معها. لأن الحكومة في البداية وضحت أنه قد يكون هناك ناجين في السفينة المنقلبة، فلم يكن بالإمكان تفادي الإنتقادات الشديدة حول إضاعة الوقت الثمين في التفضيل.

ثالثاً، المجتمع. بعد أقرب وقت انتشرت فيه الأخبار، كان المتصيدون يملؤن عالم الإنترنت في كوريا بكل قوة. في غضون دقائق بعد نشر خبر غرق السفينة سيول على الإنترنت، بدأت تظهر أدنى تعليقات يمكن تخيلها على قصة إخبارية. (هذه مجموعة مختارة منها. لن أقوم بترجمتها) وعندما ظهرت في الأخبار صورة بارك جي-يونغ (البطلة ذات 22 عاماً من أفراد الطاقم والتي غرقت بعد إنقاذ عشرات الأطفال) ظهرت أعداداً كبيرة من التعليقات البديئة والمشينة أسفل الأخبار. وصلت لدرجة أن نِيفِر، أكبر محرك بحث في كوريا، قام بوضع ملاحظة لمستخدميه بعدم إضافة تعليقات تجرح كرامة الضحايا. وامتلأت وسائل الإعلام بتلك التعليقات للتصيد في جولة أخرى مدفوعة من الأخبار والقصص وتأجيج المزيد من الغضب.

الوضع كان أفضل بقليل بعيداً عن الإنترنت. (في الواقع، ليس واضحاً ما إذا كان الوضع أحسن أو أسوء حيث أن الناس كانوا على استعداد لتداول نفس التراهات علناً). قال جو قوانغ-جاك، قس ونائب رئيس المجلس المسيحي في كوريا:"كان على الطلاب ذو الدخل المنخفض الذهاب إلى وجهة أرخص لرحلتهم المدرسية. لماذا كانوا على متن سفينة إلى جيجو وتسببوا في هذا الحادث؟" (استقال جو لاحقاً، بعد انتقادات كثيرة طالته من ذلك). وقال كيم سي-قون رئيس التقارير الإخبارية في KBS، أن غرق السفينة سيول لم يكن مشكلة كبيرة لأن أناس كثر يموتون من حوادث المرور. وقد احتجت عائلات ضحايا سيول الغاضبة أمام KBS في المساء حتى صباح اليوم التالي مطالبين باعتذار. (استقال كيم في وقتٍ لاحق).

 عوائل ضحايا سيول في احتجاج أمام KBS.
يحمل كل منهم صورة المتوفى والتي هي على النمط الكوري لما يستخم في الجنائز


كان عدم الإكتراث جزءاَ واحداً فقط من الطريقة التي تحول فيها المجتمع الكوري إلى وحش في مواجهة الكارثة. وبعد فترة وجيزة من انتشار الأخبار، ازدحم الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الإجتماعية بصور ملتقطة لرسائل نصية وفورية زعماً أنها كانت مرسلة من طلاب دان-ون الذين كنوا لا يزالون محاصرون داخل السفينة وهم على قيد الحياة. تعلقت عوائل الطلاب بهم في حالة يأس. لكنها كانت زائفة. عندما تم إعتقال مزيفي الرسائل قالوا أنهم كانوا يأملون في زيادة عدد متابعيهم على حسابات مواقع التواصل الاجتماعية بحيث يمكن بيعها لاحقاً.
هناك قصة أكثر وقاحة لالتماس الشهرة. ادعت امرأة بأنها أحد غواصي الإنقاذ، وأعطت مقابلة حية مدعية بأن غواصاً آخر سمع أصوات ناجين في داخل السفينة، لكن الحكومة تركتهم يموتون بعدم السماح للغواصين العاديين بالمشاركة في عملية الإنقاذ. تلك كانت كذبة، لأنها لم تكن أحد غواصي الإنقاذ على الإطلاق. (في الواقع، تم الكشف لاحقاً أن المرأة لها تاريخ طويل من الكذب لكسب الشهرة. وقد ادعت في حالة أخرى أنها أحد أقارب هوايونغ من 2NE1 لأخذ صورة مع فريق غنائي idol group )
*             *             *

كوارث كبيرة مثل غرق السفينة سيول لم تحدث في كوريا منذ قرابة عقد أو عقدين اعتماداً على كيفية تصنيف الشخص ل"كارثة كبرى" والتي يمكن مقارنتها بغرق سيول. في عام 2003، توفي 192 شخصاً في حريق مترو الأنفاق في ديجو، لكن الحريق كان متعمداً. للعثور على كارثة مميتة كغرق السفينة سيول يجب العودة إلى عام 1995 عندما انهار قسم في سيؤول والذي تم تعديل هيكله بشكل غير قانوني وأسفر ذلك عن وفاة 500 شخص. وبحلول عام 2014، كسب الكوريون ثقة بأن الأيام القديمة السيئة أصبحت ورائهم. 
مأساة سيول بعثرت تلك الثقة. كل مؤسسة كبرى من الجتمع الكوري- الحكومة والكنيسة والمجتمع المدني- أخفقوا بالعمل بشكل صحيح بشكلٍ أو بآخر. هذا الإخفاق صعق الكوريين. وبدون وجود أي مؤسسة يمكن وضع ثقتهم فيها، تحول المجتمع الكوري لكراهية الذات: ماذا كنا نفعل، تركنا مئات الأطفال يموتون على سفينة تم تعديلها بشكل غير قانوني؟ وتبع ذلك التشاؤم واليأس: ربما لا شيء يمكن فعله، حتماً سبب ذلك شيء عميق متأصل في الثقافة الكورية دفعهم لتلك الكارثة. كان اليأس منتشراً وواضحاً: تراجع انفاق المستهلكين بسرعة كبيرة في كوريا في أواخر أبريل، على غرار الطريقة التي استجاب فيها الأمريكيون لإرهاب 9\11.
ثم جاء بعد ذلك السخط على المسؤولين عن منع هذه الكارثة. لماذا لم يتمكن خفر السواحل من انقاذ شخصاً واحداً من داخل السفينة؟ لماذا لم تتمكن وزارة الأمن العام من تجهيز فريق الاستجابة للكوارث بسرعة أكبر؟ ولماذا لم تتمكن الرئيسة من معرفة ما كان يحدث لأكثر من نصف يوم؟
لحظة كاترينا للرئيسة بارك.
مضى عام فقط على انتخاب الرئيسة بارك قون-هي، بعد فوز ساحق في الانتخابات شديدة المنافسة. خلال الحملة الانتخابية للرئاسة، حقيقة كونها ابنة الرئيس السابق والديكتاتور بارك شونغ-هي أعاق حصولها على الأصوات. اعترفت بارك قون-هي بشجاعة أن عهد والدها -والذي حكم البلاد 16 عاماً بعد توليه السلطة ببسط الدبابات في العاصمة سيؤول- انتهك روح الدستور الكوري وأخر ظهور الديموقراطية في كوريا وكان ذلك أحد نقاط التحول في الحملة الانتخابية للرئاسة. هذا الاعتذار التاريخي بواسطة بارك قون-هي لعب دوراً رئيسياً في انتخابها لأن ذلك هدأ خوف الناخبين بأن كوريا لم تكن ستمضي إلى الوراء للسير على ديكتاتورية والدها.
ومع ذلك، بدأت إدارة بارك في عامها الأول باتخاذ وضعية الديكتاتورية التي كانت لا تختلف عن والدها. حالما تم انتخابها، تم كشف أن وكالة المخابرات الكورية والجيش كانا يعملان في عملية واسعة النطاق للتأثير على الانتخابات بإضافة تعليقات على الإنترنت وإرسال تغريدات على تويتر، وبذلك عملا على تضخيم رسالة حملة بارك. عندما بدأ مكتب المدعي العام في المحكمة العليا بمقاضاة رئيس جهاز المخابرات، أمرت وزارة العدل بالتدقيق من خلال مكتب التخطيط الاستراتيجي - والذي تسبب في المدعي العام في استقالة المدعي العام بدلاً من تركه يعاني المهانة.
على خلاف الوعود التي حملتها حملتها الانتخابية، بدأت بارك أخذ الخطوات الأولى لتخصيص سكك الحديد الكورية. وقد أرسلت آلافاً من رجال الشرطة عندنا  أضرب اتحاد سكة الحديد لاعتقال رؤساء الاتحاد بناءً على مذكرة اعتقال تم نفيها من قبل المحكمة في وقت لاحق. عندما علم رجال الشرطة أن رؤساء الاتحاد قد تركوا مكاتبهم ولجؤوا للمبنى المجاور والذي ينتمي لصحيفة حرة قامت بضرب ونهب مكاتب الصحيفة
جاءت مأساة سيول في وقت مفاجئ ومتزامن مع تراجع الثقة في إدارة بارك. المأساة وحدها تكفي لتلف الإدارة: أحد وعود الحملة الانتخابية لبارك هو تعزيز سلامة المواطنين. حتى أن بارك قامت بتغيير مسمى وزارة الإدارة العامة والأمن إلى وزارة الأمن والإدارة العامة للتأكيد على مسؤولية الحكومة في سلامة المواطنين. لكن كل الدعم الذي حصلت عليه بارك من خلال الاستفادة من ناحية السلامة العامة راح تحت الماء مع السفينة سيول.  
مع ذلك، فإن إدارة بارك كان بإمكانها التعامل مع الأزمة بشكل أفضل، لكنها لم تفعل. وعلى خلاف ذلك، فقد تحولت إلى غريزتها الدكتاتورية، تُعامل الشعب الغاضب كأنه عدوها عوضاً عن كونه الشعب الذي انتخب الرئيسة لتمثله. 
حدثت أول علامة الاضطراب بعد خمسة أيام من عملية البحث. فقد اجتمعت أُسر ضحايا سيول في صالة رياضة بجزيرة جندو والتي كانت بمثابة مأوى للأسر الذين كانوا منهكين في غضب. وقد اقترح أحدهم زيارة الرئيسة في البيت الأزرق: ومباشرة اجتمع حشد مكون من ٣٠٠ شخص. لكن تم إيقافهم فور خروجهم من صالة الرياضة: مئة رجل من الشرطة كانوا بانتظارهم. وكما اتضح فإن الحكومة قامت بزرع شرطة بلباس مدني داخل الصالة لتتولى مراقبة أُسر الضحايا. حاولت الأُسر استئجار باص للذهاب للعاصمة سيؤول، لكن الحكومة أخبرت مسبقاً جميع شركات الباصات في المنطقة بمنعهم. وفي يأس، بدأت الأسر بالمشي لسيؤول في منتصف الليل للسفر ٢٠٠ ميلاً على الأقدام. وقد قام ما يقارب الألف شرطياً بإيقافهم بالقوة على الجسر الذي يربط جزيرة جندو بالبر الرئيسي. حتى بعد هذه الحادثة، كانت عائلات ضحايا سيول تحت مراقبة مستمرة من قبل رجال الشرطة الذين يرتدون اللباس المدن.
قامت الحكومة أيضاً بقمع انتقاد جهود الإنقاذ، بينما كانت تحكم سيطرتها على وسائل الإعلام. استنكر مكتب متروبوليتان دايجو للتربية والتعليم تصرف مدرس في مدرسة عامة والذي انتقد فيه الرئيسة على الفيسبوك. اشتكى مديرو البرامج في محطة التلفزيون من أن الأخبار لم تكن تنتقد الرئيسة بالقدر الكافي. (يُذكر أن الحكومة في كوريا تسيطر بشكل غير مباشر على اثنتين من محطات شبكة التلفزيون الثلاث.) وفي الواقع، فإن الحكومة أمرت بشكل مباشر KBS بتجنب انتقاد خفر السواحل وجهود الإنقاذ.
وغني عن القول، أن هذا الرد من إدارة بارك هو رد صاعق. أبعد من البشاعة الواضحة والتعدي على الحريات الأساسية للحركة والصحافة والتعبير، تصرفات إدارة بارك تتداخلت بدقة مع مخالفات قبطان سيول التي كانت بمثابة السبب المباشر للكارثة: ابقى حيث أنت، ولا تسبب متاعب، حتى نتمكن من الهروب للخروج من المأزق الأول. واستيحاءً من هذا التداخل، ظهرت العشرات من المظاهرات في جميع أنحاء كوريا احتجاجاً على رد فعل الحكومة. وفي معظمها سار المتظاهرون في صمت، يحملون فقط لافتة تقول: "ابقى حيث أنت".
مسيرة احتجاج صامتة بعد كارثة سيول

ويُحسب لها أيضاً، أن الرئيسة بارك ردت بقوة. لقد أقالت رئيس الوزراء (الذي هو أقرب إلى نائب الرئيس في الولايات المتحدة)، وقد ألغت خفر السواحل، والذي سيتم استبداله بوكالة أكثر تطوراً متأملين أن تكون ذات كفاءة أكبر. ولكن أرقام الناخبين المؤيدة لبارك – والتي كانت تصل إلى 61 في المئة قبل وقوع الحادث – استمرت بالإنخفاض. واختيارها لرئيس الوزراء الجديد، آهن دي-هي، لم يستمر حتى أسبوع قبل سحب ترشيحه بناءً على مزاعم بأنه مارس نفوذه بشكل غير أخلاقي باعتباره قاضياً سابقاً في المحكمة العليا لتوجيه عدد هائل من الحالات لممارسة قانونه.
كل هذا لا يرقى إلى نتيجة سياسية حقيقية للرئيسة وحزبها المحافظ. في أقل من أسبوع، كوريا تواجه الانتخابات المحلية حيث ينتخب الكوريون رؤساء البلديات وحكام المقاطعات وما إلى ذلك. ما كان ينبغي أن تكون هناك أغلبية ساحقة محافظة في جميع المجالات وهي الآن غير محددة، ومع وجود المنصب الأعلى من بلدية سيؤول الآن بقوة في يدي العمدة الحالي المتحرر بارك وون سون. حتى بعد الانتخابات المحلية، فمن المرجح أن هذه الكارثة ستكون صورة دائمة للرئيسة بارك قون-هي. فهي لحظة كاترينا بالنسبة لها.

لديك سؤال أو تعليق للكوري؟ ارسله إلى askakorean@gmail.com باللغة الإنجليزية

أشكر المدون الكوري تي.كيه لسماحه لي بترجمة هذه السلسلة للعربية.


No comments:

Post a Comment